فصل: واختلف الناس في البلوغ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين **


  واختلفوا في التقية

فزعمت الروافض أنه جائز أن يظهر الإمام الكفر والرضى به والفسق على طريق التقية وجوزوا ذلك على الرسول عليه السلام وقال قائلون‏:‏ لا يجوز ذلك على الرسول عليه السلام ولا يجوز واختلفوا في إمامة يزيد‏:‏ فقال قائلون‏:‏ كان إماماً بإجماع المسلمين على إمامته وبيعتهم له غير أن الحسين أنكر عليه أشياء مثلها ينكر وقال قائلون بإمامته وتخطئة الحسين في إنكاره عليه وقال قائلون‏:‏ لم يكن إماماً على وجه من الوجوه‏.‏

واختلفوا في هل النبي صلى الله عليه وسلم عشرة في الجنة‏:‏ فقال قائلون بإنكار هذا الخبر وإبطاله وهم الروافض‏.‏

وقال قائلون‏:‏ هو فيهم على شريطة إن لم يتغيروا عما كانوا عليه حتى يموتوا وإن ماتوا على الإيمان‏.‏

وقال قائلون وهم أهل السنة والجماعة‏:‏ هو في العشرة وهم في الجنة لا محالة‏.‏

واختلف الناس في المعارف والعلوم هل هي العالم منا أو غيره‏:‏ فقال قائلون‏:‏ معارفنا وعلومنا غيرنا وقال قائلون بنفي العلوم والمعارف وقالوا‏:‏ ليس إلا العالم العارف وقال قائلون‏:‏ صفات العالم منا لا هو ولا غيره‏.‏

  واختلفوا في الصراط

فقال قائلون‏:‏ هو الطريق إلى الجنة وإلى النار ووصفوه فقالوا‏:‏ هو أدق من الشعر وأحد من وقال قائلون‏:‏ هو الطريق وليس كما وصفوه بأنه أحد من السيف وأدق من الشعر ولو كان كذلك لاستحال المشي عليه‏.‏

  واختلفوا في الميزان

فقال أهل الحق‏:‏ له لسان وكفتان توزن في إحدى كفتيه الحسنات وفي الأخرى السيئات فمن رجحت حسناته دخل الجنة ومن رجحت سيئاته دخل النار ومن تساوت حسناته وسيئاته تفضل الله عليه فأدخله الجنة‏.‏

وقال أهل البدع بإبطال الميزان وقالوا‏:‏ موازين وليس بمعنى كفات وألسن ولكنها المجازاة يجازيهم الله بأعمالهم وزناً بوزن وأنكروا الميزان وقالوا‏:‏ يستحيل وزن الأعراض لأن الأعراض لا ثقل لها ولا خفة‏.‏

وقال قائلون بإثبات الميزان وأحالوا أن توزن الأعراض في كفتين ولكن إذا كانت حسنات الإنسان أعظم من سيئاته رجحت إحدى الكفتين على الأخرى فكان رجحانها دليلاً على أن الرجل من أهل الجنة وكذلك إذا رجحت الكفة الأخرى السوداء كان رجحانها دليلاً على أن الرجل من أهل النار‏.‏

وحقيقة قول المعتزلة في الموازنة أن الحسنات تكون محبطة للسيئات وتكون أعظم منها وأن القول في الحوض‏:‏ قال أهل السنة والاستقامة أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضاً يسقي منه المؤمنين ولا يسقي منه الكافرين وأنكر قوم الحوض ودفعوه‏.‏

  واختلفوا في منكر ونكير هل يأتيان الإنسان في قبره

فأنكر ذلك كثير من أهل الأهواء وثبته أهل الاستقامة‏.‏

واختلفوا في شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم هل هي لأهل الكبائر‏:‏ فأنكرت المعتزلة ذلك وقالت بإبطاله وقال بعضهم‏:‏ الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أن يزادوا في منازلهم من باب التفضيل وقال أهل السنة والاستقامة بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته‏.‏

  واختلفوا في تخليد الفساق في النار

فقالت المعتزلة الخوارج بتخليدهم وأن من دخل النار لا يخرج منها وقال أهل السنة والاستقامة أن الله يخرج أهل القبلة الموحدين من النار ولا يخلدهم فيها‏.‏

القول في دوام نعيم أهل الجنة ودوام عذاب أهل النار‏:‏ أجمع أهل الإسلام جميعاً إلا الجهم أن نعيم أهل الجنة دائم لا انقطاع له وكذلك عذاب الكفار في وقال جهم بن صفوان أن الجنة والنار تفنين وتبيدان ويفنى من فيهما حتى لا يبقى إلا الله وحده كما كان وحده لا شيء معه‏.‏

وقال أبو الهذيل بانقطاع حركات أهل الجنة والنار وأنهم يسكنون سكوناً دائماً‏.‏

وقال قوم أن أهل الجنة ينعمون فيها وأن أهل النار ينعمون فيها بمنزلة دود الخل يتلذذ بالخل ودود العسل يتلذذ بالعسل وهم البطيخية‏.‏

  واختلفوا في الجنة والنار أخلقتا أم لا

فقال أهل السنة والاستقامة‏:‏ هما مخلوقتان وقال كثير من أهل البدع‏:‏ لم تخلقا‏.‏

واختلفوا هل تفنيان إذا أفنى الله الأشياء‏:‏ فثبت ذلك قوم وأنكره آخرون‏.‏

  واختلفوا في الإرجاء هل يجوز أن يتعبد الله سبحانه به

فأجاز ذلك قوم وأنكره آخرون‏.‏

  واختلفوا في الصغائر هل كان يجوز أن يأتي فيها وعيد

فأجاز ذلك أبو الهذيل وغيره وقال قائلون‏:‏ لم يكن يجوز أن يأتي فيها وعيد لأنها مغفورة باجتناب الكبائر باستحقاق‏.‏

واختلفوا هل كان يجوز أن يعفو عن الكبائر لولا الأخبار‏:‏ واختلفوا في غفران الصغائر بأي شيء هو‏:‏ فقال قائلون‏:‏ يغفرها الله سبحانه تفضلاً بغير توبة وقال قائلون‏:‏ يغفرها لمجتنبي الكبائر باستحقاق وقال قوم‏:‏ لا يغفرها إلا بالتوبة وقد ذكرنا اختلافهم قبل هذا في ماهية الصغائر‏.‏

  واختلفوا فيما يقع من الإنسان على طريق السهو والخطأ هل يكون معصية

فقال قائلون‏:‏ قد يكون ذلك معصية وقال قائلون‏:‏ لا يكون ذلك معصية إلا أن يقع بقصده‏.‏

  واختلفوا في وجوب التوبة

فقال قائلون‏:‏ التوبة من المعاصي فريضة وأنكر ذلك آخرون‏.‏

واختلف الناس في إكفار المتأولين وتفسيقهم‏:‏ فحكى زرقان أن المرجئة كلها لا تفسق أهل التأويل لأنهم تأولوا فأخطئوا وهذا غلط منه في الحكاية لأن الأكثر من المرجئة يقولون‏:‏ كل معصية فسق ويفسقون الخوارج بسفكهم الدماء وسبيهم النساء وأخذ الأموال وإن كانوا متأولين فكيف يحكى عنهم أنهم لا يفسقون أحداً من المتأولين وزعم أكثر المرجئة أنهم لا يكفرون أحداً من المتأولين ولا يكفرون إلا من أجمعت الأمة على إكفاره‏.‏

وزعم الجهم أنه لا كفر إلا الجهل ولا كافر إلا جاهل بالله سبحانه وأن قول القائل ثلاث ثلاثة وقال أكثر المرجئة‏:‏ كل مرتكب معصية بتأويل أو بغير تأويل فهو فاسق‏.‏

وزعم أبو شمر أن المعرفة بالله وبما جاء من عنده والإقرار بذلك ومعرفة التوحيد والعدل - يعني قوله في القدر لأنه كان قدرياً - ما كان من ذلك منصوصاً عليه أو مستخرجاً بالعقول مما فيه إثبات عدل الله سبحانه ونفي التشبيه عنه كل ذلك إيمان والشاك فيه كافر‏.‏

وقال أبو الهذيل‏:‏ من شبه الله سبحانه بخلقه أو جوره في حكمه أو كذبه في خبره فهو كافر‏.‏

واختلف الناس هل يعد خلاف أهل الأهواء إذا خالفوا في الأحكام خلافاً‏:‏ فقال قائلون أنهم يكونون خلافاً وقال قائلون‏:‏ لا يكونون خلافاً‏.‏

  واختلفوا في الأمة تختلف في الشيء في وقت وتجتمع عليه بعد الاختلاف

فقال قائلون‏:‏ جائز أن نأخذ بالأمر الأول إذا كان مردوداً إلى أصل وجائز أن نأخذ بالإجماع وقال قائلون‏:‏ نأخذ بما أجمعوا عليه‏.‏

واختلفوا في الأمة هل يجوز أن تجتمع على أمر تختلف في مثله أم لا‏:‏ فقال أكثر الناس‏:‏ ذلك جائز وقال عباد‏:‏ لا يجوز أن تجمع الأمة على أمر تختلف في مثله كما لا يجوز أن تجتمع على شيء تختلف فيه‏.‏

  واختلف الناس في الناسخ والمنسوخ

هل يجوز أن يكون في الأخبار ناسخ ومنسوخ أم لا يجوز فقال قائلون‏:‏ الناسخ والمنسوخ في الأمر والنهي‏.‏

وغلت الروافض في ذلك حتى زعمت أن الله سبحانه يخبر بالشيء ثم يبدو له فيه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً‏.‏

  واختلفوا في القرآن هل ينسخ بالسنة أم لا على ثلاث مقالات

فقال قائلون‏:‏ لا ينسخ القرآن إلا قرآن وأبوا أن تنسخه السنة‏.‏

وقال قائلون‏:‏ السنة تنسخ القرآن والقرآن لا ينسخها وقال قائلون‏:‏ القرآن ينسخ السنة والسنة تنسخ القرآن‏.‏

واختلفوا هل يكون قول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ افعلوا‏!‏ ‏"‏ أمراً بنفس ظاهره أم لا‏:‏ فثبت ذلك مثبتون وقال قائلون‏:‏ لا حتى يدل على أنه فرض ذلك الشيء‏.‏

القول فيمن له أن يجتهد‏:‏ قال أهل الاجتهاد‏:‏ لا يجوز الاجتهاد إلا لمن علم ما أنزل الله عز وجل في كتابه من الأحكام وعلم السنن وما أجمع عليه المسلمون حتى يعرف الأشياء والنظائر ويرد الفروع إلى الأصول وقالوا في المستفتي أن له أن يفتي فيقلد بعض المفتين‏.‏

وقال بعض أهل القياس‏:‏ ليس للمستفتي أن يقلد وعليه أن ينظر ويسأل عن الدليل والعلة حتى القول فيما يعلم بالاجتهاد هل يكون ديناً‏:‏ قال قائلون‏:‏ هو دين وقال قائلون‏:‏ ليس بدين‏.‏

  واختلف الناس في البلوغ

فقال قائلون‏:‏ لا يكون البلوغ إلا بكمال العقل ووصفوا العقل فقالوا‏:‏ منه علم الاضطرار الذي يفرق الإنسان به بين نفسه وبين الحمار وبين السماء وبين الأرض وما أشبه ذلك ومنه القوة على اكتساب العلم وزعموا أن العقل الحس نسميه عقلاً بمعنى أنه معقول وهذا قول أبي الهذيل‏.‏

وقال قائلون‏:‏ البلوغ هو تكامل العقل والعقل عندهم هو العلم وإنما سمي عقلاً لأن الإنسان يمنع نفسه به عما لا يمنع المجنون نفسه عنه وأن ذلك مأخوذ من عقال البعير وإنما سمي عقاله عقالاً لأنه يمنع به وزعم صاحب هذا القول أن هذه العلوم كثيرة منها اضطرار وأنه قد يمكن أن يدركه الإنسان قبل تكامل العقل فيه بامتحان الأشياء واختبارها والنظر فيها وفي بعض ما هو داخل في جملة العقل كنحو تفكر الإنسان إذا شاهد الفيل أنه لا يدخل في خرق إبرة بحضرته فنظر في ذلك وفكر فيه حتى علم أنه يستحيل دخوله في خرق إبرة وإن لم يكن بحضرته فإذا تكاملت هذه العلوم في الإنسان كان بالغاً ومن لم يمتحن الأشياء فجائز أن يكمل الله سبحانه له العقل ويخلقه فيه ضرورة فيكون بالغاً كامل العقل مأموراً مكلفاً‏.‏

ومنع صاحب هذا القول أن تكون القوة على اكتساب العلم عقلاً غير أنه وإن لم تكن عنده عقلاً فليس بجائز أن يكلف الإنسان حتى يتكامل عقله ويكون مع تكامل عقله قوياً على اكتساب العلم بالله وزعم صاحب هذا القول أنه لا يجب على الإنسان التكليف ولا يكون كامل العقل ولا يكون بالغاً إلا وهو مضطر إلى العلم بحسن النظر وأن التكليف لا يلزمه حتى يخطر بباله أنك لا تأمن إن لم تنظر أن يكون للأشياء صانع يعاقبك بترك النظر أو ما يقوم مقام هذا الخاطر من قول ملك أو رسول أو ما أشبه ذلك فحينئذ يلزمه التكليف ويجب عليه النظر والقائل بهذا القول محمد بن عبد الوهاب الجبائي‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يكون الإنسان بالغاً كاملاً داخلاً في حد التكليف إلا مع الخاطر والتنبيه وأنه لا بد في العلوم التي في الإنسان والقوة التي فيه على اكتساب العلوم من خاطر وتنبيه وإن لم يكن مضطراً إلى العلم بحسن النظر وهذا قول بعض البغداذيين‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يكون الإنسان بالغاً إلا بأن يضطر إلى علوم الدين فمن اضطر إلى العلم بالله وبرسله وكتبه فالتكليف له لازم والأمر عليه واجب ومن لم يضطر إلى ذلك فليس عليه تكليف وهو بمنزلة الأطفال وهذا قول ثمامة بن أشرس النميري‏.‏

وأكثر المتكلمين متفقون على أن البلوغ كمال العقل‏.‏

وقال كثير من المتفقهة‏:‏ لا يكون الإنسان بالغاً إلا بأحد شيئين إما أن يبلغ الحلم مع سلامة العقل أو تأتي عليه خمس عشرة سنة وذهب ذاهبون إلى سبع عشرة سنة‏.‏

وقد شذ عن جملة الناس شاذون فقالوا‏:‏ لا يكون الإنسان بالغاً ولو أتت عليه ثلاثون سنة وأكثر منها مع سلامة العقل حتى يحتلم‏.‏

وهذا ذكر اختلاف الناس في الأسماء والصفات الحمد لله الذي بصرنا خطأ المخطئين وعمى العمين وحيرة المتحيرين الذين نفوا صفات رب العالمين وقالوا أن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه لا صفات له وأنه لا علم له ولا قدرة ولا حياة له ولا سمع له ولا بصر له ولا عز له ولا جلال له ولا عظمة له ولا كبرياء له وكذلك قالوا في سائر صفات الله عز وجل التي يوصف بها لنفسه وهذا قول أخذوه عن إخوانهم من المتفلسفة الذين يزعمون أن للعالم صانعاً لم يزل ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير ولا قديم وعبروا عنه بأن قالوا‏:‏ نقول عين لم يزل ولم يزيدوا على ذلك غير أن هؤلاء الذين وصفنا قولهم من المعتزلة في الصفات لم يستطيعوا أن يظهروا من ذلك ما كانت الفلاسفة تظهره فأظهروا معناه بنفيهم أن يكون للبارئ علم وقدرة وحياة وسمع وبصر ولولا الخوف لأظهروا ما كانت الفلاسفة وقد أفصح بذلك رجل يعرف بابن الإيادي كان ينتحل قولهم فزعم أن البارئ سبحانه عالم قادر سميع بصير في المجاز لا في الحقيقة ومنهم رجل يعرف بعباد بن سليمان يزعم أن البارئ عالم قادر سميع بصير حكيم جليل في حقيقة القياس‏.‏

وقد اختلفوا فيما بينهم اختلافاً تشتتت فيه أهواؤهم واضطربت فيه أقاويلهم‏:‏ فقال شيخهم أبو الهذيل العلاف أن علم البارئ سبحانه هو هو وكذلك قدرته وسمعه وبصره وحكمته وكذلك كان قوله في سائر صفات ذاته وكان يزعم أنه إذا زعم أن البارئ عالم فقد ثبت علماً هو الله ونفى عن الله جهلاً ودل على معلوم كان أو يكون وإذا قال أن البارئ قادر فقد ثبت قدرة هي الله ونفى عن الله عجزاً ودل على مقدور يكون أو لا يكون وكذلك كان قوله في سائر صفات الذات على هذا الترتيب وكان إذا قيل له‏:‏ حدثنا عن علم الله سبحانه الذي هو الله أتزعم أنه قدرته أبى ذلك فإذا قيل له‏:‏ فهو غير قدرته أنكر ذلك وهذا نظير ما أنكره من قول مخالفيه أن علم الله لا يقال هو الله ولا يقال غيره وكان إذا قيل له‏:‏ إذا قلت أن علم الله هو الله فقل أن الله تعالى علم ناقض ولم يقل أنه علم مع قوله أن علم الله هو الله وكان يسأل الثنوية فيقول لهم‏:‏ إذا قلتم أن تباين النور والظلمة هو هما وأن امتزاجهما هو هما فقولوا أن التباين هو الامتزاج وكان يسأل من يزعم أن طول الشيء هو هو وكذلك عرضه هل طوله هو عرضه وهذا راجع عليه في قوله أن علم الله هو الله وأن قدرته هي هو لأنه إذا كان علمه هو هو وقدرته هي هو فواجب أن يكون علمه هو قدرته وإلا لزم التناقض كما لزم أصحاب الاثنين‏.‏

وهذا أخذه أبو الهذيل عن أرسطاطاليس وذلك أن أرسطاطاليس قال في بعض كتبه أن البارئ علم كله قدرة كله حياة كله سمع كله بصر كله فحسن اللفظ عند نفسه وقال‏:‏ علمه هو هو وقدرته هي هو‏.‏

وكان يقول أن لمقدورات الله ومعلوماته مما يكون ومما لا يكون كلاً وغاية وجميعاً كما أن لما كان كلاً وجميعاً وأن أهل الجنة تنقطع حركاتهم فيسكنون سكوناً دائماً لا يتحركون وكان يقول بانقطاع الأكل والشرب والنكاح‏.‏

وكان أبو الهذيل إذا قيل له‏:‏ أتقول أن لله عالماً قال‏:‏ أقول أن له علماً هو هو وأنه عالم بعلم هو هو وكذلك كان قوله في سائر صفات الذات فنفى أبو الهذيل العلم من حيث أوهم أنه ثبته وذلك أنه لم يثبت إلا البارئ فقط وكان يقول‏:‏ معنى أن الله عالم معنى أنه قادر ومعنى أنه حي أنه قادر وهذا له لازم إذا كان لا يثبت للبارئ صفات لا هي هو ولا يثبت إلا البارئ فقط‏.‏

وكان إذا قيل له‏:‏ فلم اختلفت الصفات فقيل عالم وقيل قادر وقيل حي قال‏:‏ لاختلاف المعلوم وحكى عنه جعفر بن حرب أنه كان لا يقول أن الله سبحانه لم يزل سميعاً ولا بصيراً لا على أن يسمع ويبصر لأن ذلك يقتضي وجود المسموع والمبصر‏.‏

فأما النظام فإنه كان ينفي العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر وصفات الذات ويقول أن الله لم يزل عالماً حياً قادراً سميعاً بصيراً قديماً بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة وسمع وبصر وقدم وكذلك قوله في سائر صفات الذات وكان يقول‏:‏ إذا ثبت البارئ عالماً قادراً حياً سميعاً بصيراً قديماً أثبت ذاته وأنفي عنه الجهل والعجز والموت والصمم والعمى وكذلك قوله في سائر صفات الذات على هذا الترتيب فإذا قيل له‏:‏ فلم اختلف القول عالم والقول قادر والقول حي وأنت لا تثبت إلا الذات فما أنكرت أن يكون معنى عالم معنى قادر ومعنى حي قال‏:‏ لاختلاف الأشياء المتضادات المنفية عنه من الجهل والعجز والموت فلم يجب أن يكون معنى عالم معنى قادر ولا معنى عالم معنى حي‏.‏

وكان يقول‏:‏ إن قولي عالم قادر سميع بصير إنما هو إيجاب التسمية ونفي التضاد وكان إذا قيل له‏:‏ تقول أن لله علماً قال‏:‏ أقول ذلك توسعاً وأرجع إلى تثبيته عالماً وكذلك أقول لله قدرة وأرجع إلى إثباته قادراً وكان لا يقول‏:‏ له حياة وسمع وبصر لأن الله سبحانه أطلق العلم فقال‏:‏ ‏"‏ أنزله بعلمه ‏"‏ وأطلق القوة فقال‏:‏ ‏"‏ أشد منهم قوة ‏"‏ ولم يطلق الحياة والسمع والبصر‏.‏

وكان يقول أن الإنسان حي قادر بنفسه لا بحياة وقدرة كما يقول في البارئ سبحانه ويقول أنه عالم بعلم وأنه قد يدخل في الإنسان آفة فيصير عاجزاً ويدخل عليه آفة فيصير ميتاً‏.‏

وأما ضرار بن عمرو فكان يقول‏:‏ أذهب من قولي أن الله سبحانه عالم إلى نفي الجهل ومن قولي قادر إلى نفي العجز وهو قول عامة المثبتة‏.‏

وأما معمر فحكى عنه محمد بن عيسى السيرافي النظامي أنه كان يقول أن البارئ عالم بعلم وأن علمه كان علماً له لمعنى وكان المعنى لمعنى لا إلى غاية وكذلك قوله في سائر صفات الذات فقال في الله عز وجل بالمعاني وأنه عالم لمعان لا نهاية لها قادر حي سميع بصير لمعان لا غاية لها أخبرني بذلك عن محمد بن عيسى أبو عمر الفراتي‏.‏

وقال هشام بن عمرو الفوطي أن الله لم يزل عالماً قادراً حياً وكان إذا قيل له‏:‏ أتقول أن الله لم يزل عالماً بالأشياء أنكر ذلك وقال‏:‏ أقول أنه لم يزل عالماً أنه واحد ولا أقول بالأشياء لأن قولي بالأشياء إثبات أنها لم تزل وقولي أيضاً بأن ستكون الأشياء إشارة إليها ولا يجوز أن أشير إلا إلى موجود‏.‏

وكان يقول أن ما عدم وتقضى شيء ولا أقول أن ما لم يكن ولك يوجد شيء‏.‏

وكان لا يقول حسبنا الله ونعم الوكيل ولا يقول أن الله يعذب بالنار‏.‏

وهذه العلة التي اعتل بها هشام في العلم أخذها عن بعض الأزلية لأن بعض الأزلية يثبت قدم الأشياء مع بارئها وقالوا‏:‏ قولنا لم يزل الله عالماً بالأشياء يوجب أن تكون الأشياء لم تزل فلذلك قلنا بقدمها فقال الفوطي‏:‏ لما استحال قدم الأشياء لم يجز أن يقال لم يزل عالماً بها وكان لا يثبت لله علماً ولا قدرة ولا حياة ولا سمعاً ولا بصراً ولا شيئاً من صفات الذات‏.‏

وأنكر أكثر الروافض أن يكون الله سبحانه لم يزل عالماً وكانت أقيس لقولها من الفوطي فقالت بحدث العلم‏.‏

وقالت عامة الروافض إلا شرذمة قليلة أن الله سبحانه لا يعلم ما يكون قبل أن يكون‏.‏

وفريق منهم يقولون‏:‏ لا يعلم الشيء حتى يؤثر أثره والتأثير عندهم الإرادة فإذا أراد الشيء علمه وإذا لم يرده لم يعلمه ومعنى أنه أراد عندهم تحرك حركة فإذا تحرك تلك الحركة علم الشيء وإلا لم يجز الوصف له بأنه عالم به وزعموا أنه لا يوصف بالعلم بما لا يكون‏.‏

وفريق منهم يقولون‏:‏ لا يعلم الله الشيء حتى يحدث له إرادة فإذا أحدث له الإرادة لأن يكون كان عالماً بأنه يكون وإن أحدث الإرادة لأن لا يكون كان عالماً بأنه لا يكون وإن لم يحدث الإرادة لأن لا يكون ولا لأن يكون لم يكن عالماً بأنه يكون ولا عالماً بأنه لا يكون‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ معنى يعلم هو معنى يفعل فإن قلت لهم‏:‏ تقولون أنه لم يزل عالماً بنفسه اختلفوا فمنهم من يقول‏:‏ لم يكن يعلم نفسه حتى خلق العلم لأنه قد كان ولما يفعل ومنهم من يقول‏:‏ لم يزل يعلم نفسه فإن قلت لهم‏:‏ فلم يزل يفعل قالوا‏:‏ نعم ولا نقول يقدم الفعل‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ العلم صفة لله سبحانه في ذاته وأنه عالم في نفسه غير أنه لا يوصف بأنه عالم حتى يكون الشيء فإذا كان قيل عالم به وما لم يكن الشيء لم يوصف بأنه عالم به لأن الشيء ليس وليس يصح العلم بما ليس وهذا قول يحكى عن السكاكية‏.‏

وفريق يقولون‏:‏ لم يزل الله عالماً والعلم صفة له في ذاته ولا يوصف بأنه عالم بالشيء حتى يكون كما أن الإنسان موصوف بالبصر والسمع ولا يقال أنه بصير بالشيء حتى يلاقيه الشيء ولا سميع له حتى يرد على سمعه وكما يقال عاقل ولا يقال عقل الشيء ما لم يرد عليه‏.‏

وحكى الجاحظ أن هشام بن الحكم قال أن الله سبحانه إنما علم ما تحت الثرى بالشعاع المنفصل منه الذاهب في عمق الأرض فلولا ملامسته لما هناك بشعاعه لما درى ما هناك فزعم أن بعضه مشوب وهو شعاعه وأن الشوب محال على بعضه‏.‏

وطائفة يقولون أن معبودهم لا يوصف بأنه لم يزل قادراً ولا إلهاً ولا رباً ولا عالماً ولا سميعاً ولا بصيراً حتى يحدث الأشياء لأن الأشياء التي كانت قبل أن تكون ليست بشيء ولن يجوز أن يوصف بالقدرة على غير شيء‏.‏

وعامة الروافض يصفون معبودهم بالبداء ويزعمون لأنه تبدو له البدوات‏.‏

ويقول بعضهم‏:‏ قد يأمر ثم يبدو له وقد يريد أن يفعل الشيء في وقت من الأوقات ثم لا يفعله لما يحدث له من البداء وليس على معنى النسخ ولكن على معنى أنه لم يكن في الوقت الأول عالماً بما يحدث له من البداء‏.‏

وسمعت شيخاً من مشايخ الرافضة وهو الحسن بن محمد بن جمهور يقول‏:‏ ما علمه الله سبحانه أن يكون ولم يطلع عليه أحداً من خلقه فجائز أن يبدو له فيه وما اطلع عليه عباده فلا يجوز أن يبدو له فيه‏.‏

وقالت طائفة أن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون إلا أعمال العباد فإنه لا يعلمها إلا في حال كونها لأنه لو علم من يعصي ممن يطيع حال بين العاصي وبين المعصية‏.‏

وقالت طائفة من المعتزلة أن الوصف لله بأنه سميع من صفات الذات غير أنه لا يقال يسمع الشيء في حال كونه وقد ذهب إلى هذا القول محمد بن عبد الوهاب الجبائي وزعم أنه يقال أن الله لم يزل سميعاً ولا يقال لم يزل سامعاً ولا يقال لم يزل يسمع فيلزمه إذا لم يقل البارئ لم يزل سامعاً أن يقول‏:‏ لم يزل لا سامعاً وإذا لم يقل‏:‏ لم يزل يسمع أن يقول‏:‏ لم يزل لا يسمع وإذا لم يقل‏:‏ لم يزل مبصراً مدركاً أن يقول‏:‏ لم يزل لا مبصراً ولا مدركاً كما ألزم من لم يقل أن الله لم يزل عالماً أن وكذلك يلزم عباداً في إنكاره القول أن الله لم يزل سميعاً بصيراً أن يقول أن الله غير سميع ولا بصير كما ألزم من لم يقل أن الله لم يزل عالماً قادراً أن يقول‏:‏ لم يزل غير عالم ولا قادر ويقال له‏:‏ أليس لا تقول أن الله لم يزل سميعاً ولا تلزم نفسك أن يكون له سمع محدث فما الذي تنفصل به من مخالفيك إذا أنكروا القول أن القديم لم يزل عالماً ولم يقولوا أنه ذو علم محدث‏.‏

وقال شيطان الطاق وكثير من الروافض أن الله عالم في نفسه ليس بجاهل ولكنه إنما يعلم الأشياء إذا قدرها وأرادها فأما من قبل أن يقدرها ويريدها فمحال أن يعلمها لا لأنه ليس بعالم ولكن الشيء لا يكون شيئاً حتى يقدره وينشئه بالتقدير والتقدير عندهم الإرادة‏.‏

وحكى أبو القاسم البلخي عن هشام بن الحكم أنه كان يقول‏:‏ محال أن يكون الله لم يزل عالماً بنفسه وأنه إنما يعلم الأشياء بعد أن لم يكن بها عالماً وأنه يعلمها بعلم وأن العلم صفة له ليست هي هو ولا غيره ولا بعضه ولا يجوز أن يقال في العلم أنه محدث أو قديم لأنه صفة والصفة عنده لا توصف قال‏:‏ ولو كان لم يزل عالماً لكان المعلوم لم يزل لأنه لا يصح عالم إلا بمعلوم موجود قال‏:‏ ولو كان عالماً بما يفعله عباده لم يصح المحنة والاختبار وليس قول هشام في القدرة والحياة قوله في العلم إلا أنه لا يقول بحدثهما ولكنه يزعم أنهما صفتان لله لا هما الله ولا هما غيره ولا هما بعضه وإنما نفى أن يكون عالماً لما ذكرناه وحكى حاك أن قول هشام في القدرة كقوله في وقال جهم أن علم الله محدث هو أحدثه فعلم به وأنه غير الله وقد يجوز عنده أن الله يكون عالماً بالأشياء كلها قبل وجودها بعلم يحدثه قبلها‏.‏

وحكى عنه حاك خلاف هذا فزعم أن الذي بلغه عنه أنه كان يقول أن الله يعلم الشيء في حال حدوثه ومحال أن يكون الشيء معلوماً وهو معدوم لأن الشيء عنده هو الجسم الموجود وما ليس بموجود فليس بشيء فيعلم أو يجهل فألزمه مخالفوه أن لله علماً محدثاً إذ زعمأن الله قد كان غير عالم ثم علم ويجب على أصله أن يقول في القدرة والحياة كقوله في العلم‏.‏

  واختلفوا في العلم من وجه آخر

فقال كثير منهم أن الله لم يزل عالماً أنه يعذب الكافر إن لم يتب وأنه لا يعذبه إن تاب‏.‏

وأنكر ذلك هشام الفوطي ومن ذهب مذهبه وعباد ومن قال بقوله فقال هؤلاء‏:‏ لا يجوز لما فيه من الشرط والله تعالى لا يوصف بأنه يعلم على شرط والشرط في المعلوم لا في العالم‏.‏

وكان عباد بن سليمان صاحب الفوطي يقول أن الله لم يزل عالماً قادراً حياً وأنه لم يزل عالماً بمعلومات قادراً على مقدورات عالماً بأشياء وجواهر وأعراض وأفعال فإذا قيل له‏:‏ تقول أن الله لم يزل عالماً بالمخلوقات وبالأجسام وبالمؤلفات أنكر ذلك وكلن يقول أن الأشياء أشياء قبل كونها وأن الجواهر جواهر قبل كونها وأن الأعراض أعراض قبل كونها والمخلوقات كانت بعد أن لم تكن ولا أن حقيقته أنه لم يكن ثم كان كما يقول سائر الناس وكان يأبى ذلك ويقول أن حقيقة المحدث أنه مفعول‏.‏

وكان إذا قيل له‏:‏ تقول أن البارئ عالم بنفسه أو يعلم أنكر القول بنفسه أو بعلم وقال‏:‏ قولكم عالم صواب وقولكم بنفسه خطأ وقولكم بعلم خطأ وكلك القول بذاته خطأ‏.‏

وكان ينكر قول من قال أن لله عز وجل وجهاً وينكر القول وجه الله ونفس الله وينكر القول ذات الله وينكر أن يكون الله ذا عين وأن يكون له يدان هما يداه‏.‏

وكان يقول أن الله غير لا كالأغيار ولا يقول أنه معنى‏.‏

وكان إذا قيل له‏:‏ تقول أن الله عالم قادر حي سميع بصير عزيز عظيم جليل في حقيقة القياس أنكر ذلك ولم يقله‏.‏

وكان لا يقول أن البارئ قبل الأشياء ولا يقول أنه أول الأشياء ولا يقول أن الأشياء كانت بعده‏.‏

وكان لا يقول أن الله لطيف وحكى لي حاك أنه كان يطلق ذلك مقيداً فيقول لطيف بعباده‏.‏

واكن إذا قيل له‏:‏ أتقول أن لله علماً قال‏:‏ خطأ أن يقال له علم وأنه ذو علم وأنه عالم بعلم فإذا قيل له‏:‏ تقول أنه لا علم لله قال‏:‏ خطأ أن يقال لا علم له وكذلك في سائر ما سمي به البارئ‏.‏

وكان يقول أن القديم لم يزل في حقيقة القياس لأن ما لم يزل فقديم والقديم لم يزل وليس يقال في وكان لا يقول أن الله لم يزل سميعاً بصيراً ولا يقول لم يزل السميع البصير ويقول أن الله السميع البصير لم يزل ويقول أن الله سميع بصير لم يزل‏.‏

وكان إذا سئل عن معنى القول أن الله عالم قال‏:‏ إثبات اسم لله سبحانه ومعه علم بمعلوم والقول قادر إثبات اسم لله سبحانه ومعه على بمقدور والقول سميع إثبات اسم لله ومعه علم بمسموع والقول بصير إثبات اسم لله سبحانه ومعه علم بمبصر وكان لا يقول أن له سمعاً ولا يقول أنه ذو سمع قديم ولا أنه ذو سمع محدث وكذلك جوابه إذا سئل عن القول بصير ومعنى القول حي إثبات اسم لله عنده ومعنى القول في الله أنه قديم أنه لم يزل‏.‏

وكان يقول‏:‏ معنى حي معنى قادر ولا معنى عالم معنى قادر ولا يقول معنى سميع بصير معنى عالم بالمسموعات والمبصرات كما يقول ذلك البغداذيون‏.‏

وكان يقول أن صفات البارئ هي الأقوال كنحو القول يعلم ويقدر ويسمع ويبصر وأن الأسماء هي الأقوال كنحو القول عالم قادر حي سميع بصير وكان يقول‏:‏ أسماء الله سبحانه ما أجمعت الأمة على تخطئة نافيه وكل اسم أجمعوا على تخطئة نافيه فهو من أسمائه كالقول عالم أجمعت الأمة على تخطئة من قال أن الله سبحانه ليس بعالم وكالقول قادر أجمعت الأمر على تخطئة من قال ليس بقادر وكذلك سائر أسمائه وما لم يجمعوا على تخطئة نافيه فليس من أسمائه‏.‏

وكان لا يقول أن البارئ لم يزل قادراً على أن يخلق ولا يقول لم يزل قادراً على الأجسام والمخلوقات ولا يقول أن البارئ لم يزل جواداً محسناً عادلاً ولا منعماً متفضلاً خالقاً مكلماً صادقاً مختاراً مريداً راضياً ساخطاً موالياً معادياً ويقول‏:‏ هذه أسماء يسمى بها البارئ سبحانه لفعله وزعم أن الأسماء على وجوه منها ما يسمى به البارئ لا لفعله ولا لفعل غيره كالقول عالم قادر حي سميع بصير قديم إله ومنها ما يسمى به لفعله كالقول خالق رازق بارئ متفضل محسن منعم ومنها ما يسمى به لفعل غيره كالقول معلوم ومدعو وكان إذا قيل له‏:‏ فتقول أن الله سبحانه لم يزل غير خالق وغير رازق وغير منعم وغير متفضل أنكر ذلك ولم يقل لم يزل خالقاً ولم يقل لم يزل غير خالق وقد حكي عنه أنه قال‏:‏ لم يزل رحماناً‏.‏

وكان لا يستدل بالشاهد على الغائب ولا يستدل بالأفعال على أن البارئ عالم حي قادر وكان ينكر دلالة مجيء الشجرة وكلام الذئب وسائر الأعراض على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول‏:‏ لا أقول ذلك يدل ولا أقول لا يدل وكان لا يستدل على البارئ بالأعراض‏.‏

وكان لا يقول أن الله فرد وينكر القول بذلك وكان يقول ما حكينا عنه من أنه لا يستدل بالأعراض وإذا قيل له‏:‏ من كم وجه يعرف الحق قال‏:‏ من كتاب الله عز وجل وإجماع المسلمين وحجج العقول وهذا نقض قوله‏:‏ لا أقول أن الأعراض تدل على الحق‏.‏

وكان الناشي لا يستدل بالأفعال المشتقة في الحكمة من البارئ على أن فاعلها عالم قادر لأنها قد تظهر من الإنسان وليس بعالم في الحقيقة ولا قادر وكان يزعم أن البارئ عالم قادر سميع بصير حكيم عزيز عظيم جليل كبير في الحقيقة والإنسان يسمى بهذه الأسماء على المجاز وكان يقول أن الاسم إذا وقع على المسميين لم يخل من أربعة أقسام‏:‏ إما أن يكون وقع عليهما لاشتباه ذاتيهما كقولنا جوهر وجوهر وإما أن يكون وقع عليهما لاشتباه ما احتملته الذاتان كقولنا متحرك ومتحرك وأسود وأسود أو يكون وقع عليهما لمضاف أضيفا إليه وميزا منه لولاه ما كانا كذلك كقولنا محسوس ومحسوس ومحدث ومحدث أو يكون وقع عليهما وهو في أحدهما بالمجاز وفي الآخر بالحقيقة كقولنا للصندل المجتلب من معدنه صندل وهو واقع عليه في الحقيقة وقولنا للإنسان صندل وهو تسمية له على المجاز قال‏:‏ فإذا قلنا أن البارئ عالم والإنسان عالم والإنسان قادر والبارئ قادر وكذلك حي وحي فليس هذا واقعاً عليهما لاشتباه ذاتيهما ولا لاشتباه ما احتملته الذاتان ولا لمضاف أضيفا إليه وميزا منه وإنما يقع ذلك عليهما وهو في البارئ سبحانه بالحقيقة وفي الإنسان بالمجاز وكان يقول أن البارئ سبحانه غير المحدثات في الحقيقة وهي غيره في الحقيقة وهذا نقض دليله هذا وكان لا يقول أن الإنسان فاعل في الحقيقة ولا محدث في الحقيقة ولا يقول أن البارئ سبحانه أحدث كسبه وفعله‏.‏

وأما أبو الحسن محمد بن مسلم المعروف بالصالحي فإنه كان يقول أن البارئ سبحانه لم يزل عالماً بمعلومات وأجسام مؤلفات ومخلوقات في أوقاتها ولم يزل يعلم موجوداً في وقت كذا ولم يزل عالماً بأن إذا كان وقت كذا فالمخلوق مخلوق فيه ولا يثبت المعلومات قبل كونها معلومات ولا مقدورات ولا أشياء قبل كونها‏.‏

وكان ينفي العلم والقدرة وسائر الصفات ويقول‏:‏ معنى أن البارئ شيء لا كالأشياء أنه قادر لا كالقادرين ومعنى أنه حي لا كالأحياء هو معنى أنه عالم لا كالعلماء وكذلك كان يقول في سائر الأسماء والصفات للذات وإنما هذا بمنزلة قول القائل أقبل وهلم وتعال والمعنى واحد‏.‏

وبلغني أن ابن النجراني كان يقول‏:‏ لا معلوم إلا موجود فقيل له‏:‏ فكيف تقول في المقدور فقال‏:‏ لا أقول أن مقدوراً في الحقيقة لأنه كان يحيل القدرة على الموجود وكان الصالحي يقول‏:‏ القدرة على الشيء في وقته وقبل وقته ومعه وكان يثبته مقدوراً موجوداً في حال كونه‏.‏

وكان ابن الراوندي يقول أن المعلومات معلومات قبل كونها وأنه لا شيء إلا موجود وأن المأمور به والمنهي عنه وكذلك كل ما تعلق بغيره يوصف به الشيء قبل كونه وكل ما كان رجوعاً إلى نفس الشيء لم يسم ولم يوصف به قبل كونه‏.‏

وكان الصالحي يخطئ من قال‏:‏ إذا ثبت الله عالماً نفيت جهلاً وإذا ثبته قادراً نفيت عجزاً‏.‏

وكان يجيز أن يقدر الله عز وجل الميت فيفعل وهو ميت غير حي وإذا جاز أن يقدر منا من ليس بحي ويظهر الفعل منا ممن ليس بحي فقد بطلت دلالة أفعال البارئ على أنه حي وبطل أن يدل أنه حي على أنه قادر إذا جاز أن يقدر عنده من ليس بحي‏.‏

وبلغني أن سائلاً سأله مرة فقال‏:‏ من أين علمت أن البارئ حي فلم يأت بجواب مقنع وأن سائلاً سأله فقال‏:‏ إذا كان معنى أسماء الله لذاته أنه شيء لا كالأشياء فهل يجوز أن يسمي نفسه جاهلاً بدلاً من تسميته عالماً واللغة بحالها إذا كان لا يرجع بقوله لا كالعلماء إلا إلى معنى أنه شيء لا كالأشياء فأجاز ذلك فقال له‏:‏ وكذلك يسمي نفسه عاجزاً ومواتاً ويسمي نفسه إنساناً ويسمي نفسه حماراً ويسمي نفسه فرساً ومعنى ذلك أنه لا كالأشياء فأجاز ذلك نعوذ بالله من الخذلان المتهور ومن الحور بعد الكور ومن الكفر بعد الإيمان‏.‏

وبلغني أن أبا الحسين سأله سائل فقال له‏:‏ إذا قلت أن البارئ متكلم بكلام في غيره فقل‏:‏ يسكت بسكوت في غيره‏!‏ فقال‏:‏ كذلك أقول فوصف الله سبحانه بالسكوت‏.‏

وأما البغداذيون فيقولون أن البارئ لم يزل عالماً كبيراً قادراً حياً سميعاً بصيراً إلهاً قديماً عزيزاً عظيماً غنياً جليلاً واحداً أحداً فرداً سيداً مالكاً رباً قاهراً رفيعاً عالياً كائناً موجوداً أولاً باقياً رائياً مدركاً سامعاً مبصراً بنفسه لا بعلم وحياة وقدرة وسمع وبصر وإلهية وقدم وعزة وعظم ولا بجلال وكبرياء وعنى ولا سودد وقهر وربوبية وبقاء وكذلك سائر صفات الذات وهم ينفون صفات الذات أجمع ويقولون البارئ شيء لا كالأشياء وأنه لم يزل عالماً بالأشياء قبل كونها أجسامها وأعراضها وأن الجسم جسم قبل كونه مؤلف قبل كونه‏.‏

وغلا بعضهم حتى قال‏:‏ مؤمن في الصفة قبل كونه كافر في الصفة وأنه ملعون في الصفة ومثاب في الصفة ومعاقب في الصفة قبل كونه وأنه يصرخ ويستغيث من العذاب في الصفات وأن في الصفات مثل هذا العالم عوالم لا يحصيها إلا الله تتحرك وتسكن‏.‏

وبلغني أن بعضهم أجاب إلى أن المخلوق مخلوق قبل كونه وهذا من غريب التجاهل‏.‏

وقال بعض الحوادث منهم أن المعلوم معلوم قبل كونه وكذلك المقدور وكل ما كان متعلقاً بغيره كالمأمور به والمنهي عنه وأنه لا شيء إلا موجود ولا جسم إلا موجود‏.‏

ومن البغداذيين من يقول أن المعلومات معلومات قبل كونها والأشياء أشياء قبل كونها ويمنع أجساماً وجواهر وأعراضاً‏.‏

وبعض البصريين وهو الشحام وطوائف من البغداذيين يقولون‏:‏ ما استحال أن يوصف الشيء به في حال وجوده فمستحيل أن يوصف به قبل كونه كالقول متحرك ومؤمن وكافر فأما جسم مؤلف فقد يوصف به في حال كونه فألزم هؤلاء أن يقولوا موجود قبل كونه فأبوا ذلك‏.‏

وأنكروا أن يكون البارئ سبحانه لم يزل مريداً متكلماً راضياً ساخطاً موالياً معادياً جواداً حكيماً عادلاً محسناً صادقاً خالقاً رازقاً وزعموا أن هذا أجمع من صفات الأفعال وزعموا أن الصفات على وجوه فمنها ما يوصف به البارئ لنفسه كالقول عالم قادر حي سميع بصير وشيء يوصف به لفعله كالقول خالق رازق محسن منعم متفضل عادل جواد حكيم متكلم صادق آمر ناه مادح ذام محي مميت ممرض مصح وما أشبه ذلك وشيء يوصف به البارئ لذاته وقد يوصف به لفعله كالقول حكيم بمعنى عليم من صفات النفس والقول حكيم على طريق الاشتقاق من فعله الحكمة من صفات الفعل وكالقول صمد بمعنى سيد يوصف به لذاته وقد يوصف به بمعنى أنه مصمود إليه في النوائب فيوصف به من طريق الاشتقاق من الفعل ومعنى أن الله عالم عندهم أنه متبين للأشياء وأنه لا يخفى عليه شيء ومعنى أنه قادر أنه يمكنه الفعل ويجوز منه‏.‏

وزعم أكثرهم أن معنى القول أنه حي أنه قادر ومعنى أنه سميع أنه لا يخفى عليه الأصوات والكلام ومعنى أنه بصير أنه لا يخفى عليه المبصرات ومعنى أن الله راء عندهم أنه عالم‏.‏

وكان الإسكافي يقول أن الله لم يزل سامعاً مبصراً ببصر وسمع وأنه لم يزل مدركاً‏.‏

واختلف البغداذيون في القول أن الله كريم هل هو من صفات الذات أو من صفات الفعل‏:‏ فقال عيسى الصوفي‏:‏ الوصف لله بأنه كريم من صفات الفعل والكرم هو الجود وكان إذا قيل له‏:‏ فتقول أن القديم لم يزل غير كريم قال‏:‏ هذا لا يلزمني كما لا يلزمني إذا كان الإحسان والعدل من صفات الفعل أن أقول‏:‏ لم يزل البارئ غير صادق ولا عادل ولا محسن لأن ذلك يوهم الذم فكذلك وإن كان الكرم فعلاً فإني لا أقول أن الله لم يزل غير كريم‏.‏

وكان الإسكافي يقول‏:‏ كريم يحتمل وجهين‏:‏ أحدهما صفة فعل إذا كان الكرم بمعنى الجود والآخر صفة نفس إذا أريد به الرفيع العالي على الأشياء بنفسه وحجته في ذلك أنه يقال‏:‏ أرض كريمة يراد بذلك أي هي أرفع الأرضين ويقال‏:‏ فرس رافع كريم‏.‏

وكان الجبائي يقول‏:‏ كريم بمعنى عزيز من صفات الله لذاته وكريم بمعنى أنه جواد معط من صفات الفعل وكان إذا قيل له‏:‏ إذا قلت أن الإحسان فعل فقل أن الله سبحانه لم يزل غير محسن‏!‏ قال‏:‏ أقول غير محسن ولا مسيء حتى يزول الإيهام ولم يزل غير عادل ولا جائر ولم يزل غير صادق ولا كاذب وكذلك لم يزل غير حليم ولا سفيه وكذلك يقول‏:‏ لم يزل لا خالق ولا رازق‏.‏

والمعتزلة كلها إلا عباداً يقولون أن الوصف لله بأنه رحمان وأنه رحيم من صفات الفعل وكان عباد يقول‏:‏ لم يزل الله رحماناً‏.‏

وكان حسين النجار يزعم أن الله لم يزل جواداً بنفي البخل عنه لا على أنه أثبت جواداً‏.‏

وكافة المعتزلة يقولون أن الوصف لله بأنه حليم جواد كريم محسن صادق خالق رازق من صفات الفعل والبغداذيون يقولون أن الوصف لله بأنه حليم معناه أنه ناه عن السفه كاره له‏.‏

وكثير من البغداذيين يعبرون في الصفات وفي معنى القول أن الله عالم قادر بعبارة وكذلك قول النظام‏.‏

وفي البغداذيين من يقول‏:‏ لله علم بمعنى أنه عالم وله قدرة بمعنى أنه قادر ولا يقولن له حياة بمعنى أنه حي وله سمع بمعنى أنه سميع لأن الله سبحانه أطلق العلم والقوة ولم يطلق الحياة والسمع‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ لله علم بمعنى معلوم كما قال‏:‏ ‏"‏ ولا يحيطون بشيء من علمه ‏"‏ أي من معلومه وله قدرة بمعنى مقدور كما يقول المسلمون إذا رأوا المطر‏:‏ هذه قدرة الله بمعنى مقدوره‏.‏

والمعتزلة تفرق بين صفات الذات وصفات الأفعال بأن صفات الذات لا يجوز أن يوصف البارئ بأضدادها ولا بالقدرة على أضدادها كالقول عالم لا يوصف بالجهل ولا بالقدرة على أن يجهل وصفات الأفعال يجوز أن يوصف البارئ سبحانه بأضدادها وبالقدرة على أضدادها كالإرادة يوصف البارئ بضدها من الكراهة وبالقدرة على أن يكره وكذلك الحب يوصف البارئ بضده من البغض وكذلك الرضى والسخط والأمر والنهي والصدق قد يوصف البارئ بالقدرة على ضده من الكذب وإن لم يوصف بالكذب وقد يوصف بالمتضاد من كلامه كالأمر والنهي وكل اسم اشتق للبارئ من فعله كالقول متفضل منعم محسن خالق رازق عادل جراد وما أشبه ذلك فهو من صفات الفعل وكذلك كل اسم اشتق للبارئ من فعل غيره كالقول معبود من العبادة وكالقول مدعو من دعاء غيره إياه فليس من صفات الذات وكل ما جاز أن يرغب إلى البارئ فيه ليس من صفات الذات‏.‏

وقالت المعتزلة بأسرها أن الوصف لله سبحانه بأنه مريد من صفات الفعل إلا بشر بن المعتمر فإنه زعم أن الله لم يزل مريداً لطاعته دون معصيته‏.‏

وزعم جماعة من البغداذيين من المعتزلة أن الوصف لله بأنه مريد قد يكون بمعنى أنه كون الشيء والإرادة لتكوين الشيء هي الشيء وقد يكون الوصف لله بأنه مريد للشيء بمعنى أنه أمر بالشيء كنحو الوصف له بأنه مريد بمعنى أنه حاكم بالشيء مخبر عنه وكنحو إرادته الساعة أن تقوم القيامة في وقتها ومعنى ذلك أنه حاكم بذلك مخبر عنه وهذا قول إبراهيم النظام‏.‏

وقال أبو الهذيل‏:‏ إرادة الله سبحانه لكون الشيء هي غير الشيء المكون وهي توجد لا في مكان وإرادته للإيمان غيره وغير الأمر به وهي مخلوقة ولم يجعل الإرادة أمراً ولا حكماً ولا خبراً وإلى هذا القول كان يذهب محمد بن عبد الوهاب الجبائي إلا أن أبا الهذيل كان يزعم أن الإرادة لتكوين الشيء والقول له كن خلق للشيء وكان الجبائي يقول أن الإرادة لتكوين الشيء هي غيره وليست بخلق له ولا جائز أن يقول الله سبحانه للشيء كن وكان يزعم أن الخلق هو المخلوق وكان أبو الهذيل لا يثبت الخلق مخلوقاً‏.‏

وكان بشر بن المعتمر يقول‏:‏ خلق الشيء غيره ويجعل الإرادة خلقاً له وينكر قول أبي الهذيل أن الخلق إرادة وقول وكان ينكر القول‏.‏

وكان أبو الهذيل يقول أن الخلق الذي هو إرادة وقول لا يقال أنه مخلوق إلا على المجاز وخلق الله سبحانه للشيء مؤلفاً الذي هو تأليف وخلقه للشيء ملوناً الذي هو لون وخلقه للشيء طويلاً الذي هو طول مخلوق في الحقيقة‏.‏

وكان أبو موسى الدردار يقول‏:‏ خلق الشيء غيره وهو مخلوق لا بخلق‏.‏

وحكى زرقان أن بشر بن المعتمر قال‏:‏ خلق الشيء غيره وهو قبله وأن معمراً قال‏:‏ خلق الشيء غيره وهو قبله وللخلق خلق إلى ما لا نهاية له وهي كلها معاً وأن هشام بن الحكم قال‏:‏ خلق الشيء صفة له لا هو هو ولا غيره‏.‏

وقال الفوطي‏:‏ ابتداء ما يجوز أن يعاد غيره وابتداء ما لا يجوز أن يعاد هو هو‏.‏

وقال عباد‏:‏ خلق الشيء غير الشيء وهما معاً وخطأ من قال‏:‏ الخلق غير المخلوق ومن قال‏:‏ خلق الشيء غيره لأن القول مخلوق خبر عن شيء وخلق وإذا قلت خلق الشيء غيره أوهم هذا ولم يقل أحد أن الخلق إرادة وقول غير أبي الهذيل‏.‏

وقال عبد الله بن كلاب‏:‏ لا يخلق الله شيئاً حتى يقول له كن وليس القول خلقاً‏.‏

وزعمت المعتزلة كلها غير أبي موسى الدردار أنه لا يجوز أن يكون الله سبحانه مريداً للمعاصي على وجه من الوجوه أن يكون موجوداً ولا يجوز أن يأمر بما لا يريد أن يكون وأن ينهى عما يريد كونه وأن الله سبحانه قد أراد ما لم يكن وكان ما لم يرد وأنه قادر على المنع مما لا يريد وأن يلجئ إلى ما أراد‏.‏

وقال أبو موسى فيما حكى عنه أبو الهذيل أن الله سبحانه أراد المعاصي بمعنى أنه خلى بين العباد وبينها‏.‏

وقالت المعتزلة كلها غير بشر وعباد أن الله سبحانه لم يزل غير مريد لما علم أنه يكون ثم أراده‏.‏

وقال عباد‏:‏ لا يجوز أن يقال لم يزل مريداً ولا يجوز أن يقال لم يزل غير مريد والوصف له بأنه مريد من صفات الفعل عنده‏.‏

وقال بشر بن المعتمر ومن ذهب مذهبه‏:‏ إرادة الله غير الله والإرادة على ضربين‏:‏ إرادة وصف بها وهي فعل من فعله وإرادة وصف بها في ذاته وأن إرادته الموصوف بها في ذاته غير لاحقة بمعاصي خلقه وجوز وقوعها على سائر الأشياء‏.‏

وقالت الفضلية وهم أصحاب فضل الرقاشي أن أفعال العباد لا يقال أن الله سبحانه أرادها إذا لم تكن ولا يقال لم يردها فإن كانت جاز القول بأنه أرادها فما كان من فعلهم طاعة قيل أراده الله سبحانه في وقته وإن كان معصية قيل لم يرده وأجاز القول أن الله يريد أمراً فلا يكون وجوز أن يكون ما لا يريد وأنكر أن يكون الله سبحانه يريد أن يطيعه الخلق قبل أن يطيعوه أو يريد أن لا يعصوه قبل أن يعصوه وكل ما كان من فعل الله فإنه قد يكون إذا أراده وإن لم يرده لم يكن وجوز أن يفعل الله الأمور وإن لم يردها وقد حكي نحو هذا عن غيلان‏.‏

واختلفت المعتزلة فقال جعفر بن حرب‏:‏ قد يجوز القول بأن الله سبحانه أراد الكفر مخالفاً للإيمان وأراد أن يكون قبيحاً غير حسن ويكون المعنى أنه حكم بذلك كما قلت أنه جعل الكفر مخالفاً للإيمان وجعله قبيحاً‏.‏

وأبى ذلك سائر المعتزلة وقالوا‏:‏ لم نقل أن الله جعل الكفر مخالفاً للإيمان قياساً وإنما قلناه اتباعاً فليس يلزمنا أن نقيس عليه وقول القائل‏:‏ أراد أن يكون الكفر قبيحاً مخالفاً للإيمان ليس يقع إلا على الكفر لأنه ليس هناك مخالفة ولا قبح وهذا إذا كان هكذا فقد أوجب القائل أن الله سبحانه أراد الكفر بوجه من الوجوه‏.‏

وكل المعتزلة إلا الفضلية أصحاب فضل الرقاشي يقولون أن الله سبحانه يريد أمراً ولا يكون وأنه وقال معمر‏:‏ إرادة الله سبحانه غير مراده وهي غير الخلق وغير الأمر والإخبار عنه والحكم به‏.‏

وقال حسين النجار أن الله لم يزل مريداً أن يكون ما علم أنه يكون وأن لا يكون ما علم أنه لا يكون بنفسه لا بإرادة بل بمعنى أنه لم يزل غير آب ولا مكره‏.‏

وقال سليمان بن جرير وعبد الله بن كلاب أن الله سبحانه لم يزل مريداً بإرادة يستحيل أن يقال هي الله أو يقال هي غيره‏.‏

وقال ضرار بن عمرو‏:‏ إرادة الله سبحانه على ضربين‏:‏ إرادة هي المراد وإرادة هي الأمر بالفعل وزعم أن إرادته لفعل الخلق هي فعل الخلق وإرادته لفعل العباد هي خلق فعل العباد وخلق فعل العباد هو فعل العباد وذلك أنه كان يزعم أن خلق الشيء هو الشيء‏.‏

وقال بشر المريسي وحفص الفرد ومن قال بقولهما‏:‏ إرادة الله على ضربين‏:‏ إرادة هي صفة له في ذاته وإرادة هي صفة له في فعله وهي غيره فالإرادة التي زعموا أنها صفة لله سبحانه في فعله وأنها غيره هي أمره بالطاعة والإرادة التي ثبتوها صفة لله في ذاته واقعة على كل شيء سوى الله من فعله وفعل خلقه‏.‏

وقال هشام بن الحكم وهشام الجواليقي وغيرهما من الروافض‏:‏ إرادة الله سبحانه حركة وهي معنى لا هي الله ولا غيره وأنها صفة لله وذلك أنهم زعموا أن الله إذا أراد الشيء تحرك فكان ووصف أكثر الروافض ربهم بالبداء وأنه يريد الشيء ثم يبدو له فيريد خلافه وذلك أنه يتحرك حركة لخلق شيء ثم يتحرك خلاف تلك الحركة فيكون ضد ذلك الشيء ولا يكون الذي أراده قبل‏.‏

وقال أبو مالك الحضرمي وعلي بن ميثم‏:‏ إرادة الله غيره وهي حركة يتحرك بها تعالى الله عما قالوه‏.‏

وأما القول في البارئ أنه متكلم‏:‏ فقد اختلفت المعتزلة في ذلك فقال عباد بن سليمان‏:‏ لا أقول أن البارئ متكلم وأقول أنه مكلم وهذا خلاف إجماع المسلمين وزعم أن متكلم متفعل فيلزمه أن لا يقول أن البارئ متفضل لأن متفضل متفعل ولا يقول قيوم لأن قيوم فيعول‏.‏

وقال أكثر المعتزلة إلا من قال منها بالطباع أن كلام الله سبحانه فعله وأن لله كلاماً فعله وأنه محال أن يكون الله سبحانه لم يزل متكلماً‏.‏

وقال بعض مشايخ المعتزلة أن الله سبحانه لم يخلق الكلام إلا على معنى أنه خلق ما أوجبه وأن الله لا يكلم أحداً في الحقيقة ولا يفعل الكلام على التصحيح وأن كلام الله فعل الجسم بطباعه وحقيقة قول هؤلاء أنه لا كلام لله في الحقيقة وأن الله ليس بمتكلم في الحقيقة ولا مكلم وهذا قول وقالت شرذمة أن الله لم يزل متكلماً بمعنى أنه لم يزل مقتدراً على الكلام وأن كلام الله محدث وافترقوا فرقتين‏:‏ فقال بعضهم‏:‏ مخلوق وقال بعضهم‏:‏ غير مخلوق‏.‏

وقال ابن كلاب أن الله لم يزل متكلماً والكلام من صفات النفس كالعلم والقدرة وسنذكر اختلاف الناس في القرآن بعد هذا الموضع من كتابنا‏.‏

واختلف المتكلمون في معنى القول أن الله قديم‏:‏ فقال بعضهم‏:‏ معنى أن الله قديم أنه لم يزل كائناً لا إلى أول وأنه المتقدم لجميع المحدثات لا إلى غاية وهذا قول الجبائي‏.‏

وقال عباد‏:‏ معنى قديم أنه لم يزل ومعنى لم يزل أنه قديم‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ معنى قديم بمعنى إله‏.‏

وقال من ثبت القديم قديماً بقدم‏:‏ معنى أن الله قديم إثبات قدم لله كان به قديماً وكذلك معنى عالم عندهم إثبات علم وكذلك القول في سائر الصفات‏.‏

وقد حكي عن بعض المتفلسفة أنه كان لا يقول أن البارئ قديم‏.‏

وحكي عن معمر أنه كان لا يقول أن البارئ قديم إلا إذا أوجد المحدثات‏.‏

واختلف المتكلمون هل يسمى البارئ شيئاً أم لا‏:‏ فقال جهم بن صفوان أن البارئ لا يقال أنه شيء لأن الشيء عنده هو المخلوق الذي له مثل وقال أكثر أهل الصلاة أن البارئ شيء‏.‏

واختلف القائلون أنه شيء في معنى القول أنه شيء‏:‏ فقالت المشبهة‏:‏ معنى أن الله شيء معنى أنه جسم‏.‏

وقال قائلون‏:‏ معنى أن الله شيء معنى أنه موجود وهذا مذهب من قال‏:‏ لا شيء إلا موجود‏.‏

وقال قائلون‏:‏ معنى أن الله شيء هو إثباته وقد ذهب إلى هذا قوم زعموا أن الأشياء أشياء قبل وجودها وأنها مثبتة أشياء قبل وجودها وهذا القول مناقضه لأنه لا فرق بين أن تكون ثابتة وبين أن تكون موجودة وهذا قول أبي الحسين الخياط‏.‏

وقال عباد بن سليمان‏:‏ معنى القول أن الله شيء أنه غير فلا شيء إلا غير ولا غير إلا شيء‏.‏

وقال الصالحي‏:‏ معنى أن الله شيء لا كالأشياء معنى أنه قديم وهو معنى أنه عالم لا كالعلماء قادر لا كالقادرين وما قال بهذا غيره أحد علمناه‏.‏

وقال الجبائي‏:‏ القول شيء سمة لكل معلوم ولكل ما أمكن ذكره والإخبار عنه فلما كان الله عز وجل معلوماً يمكن ذكره والإخبار عنه وجب أنه شيء‏.‏

وكان الجبائي يقول أن البارئ لم يزل غير الأشياء التي يعلم أنها تكون والتي يعلم أنها لا تكون وأنها تعلم أغياراً له قبل كونها وأن الغيرين لأنفسهما كانا غيرين ومعنى أنه غير الأشياء أنه يفرق بينه وبين غيره من سائر المعلومات وأنه بمنزلة أنه ليس بعضاً لشيء منها وليس شيء منها بعضاً له وكذلك كان يقول أن البارئ لم يزل غير الأشياء‏.‏

وزعم عباد بن سليمان أن الله يقال أنه قبل ولا يقال قبل الأشياء فكان لا يقال أول الأشياء ولا يقال أن الأشياء كانت بعده ولا يقول أن البارئ فرد‏.‏

وأما الصالحي فإنه كان يقول أن البارئ لم يزل قبل الأشياء بضم اللام من قبل ولا يقول لم يزل قبل الأشياء بنصب اللام من قبل لأن ذلك لو قيل بنصب اللام لكان قبل ظرفاً‏.‏

ومن أهل الكلام من لا يقول أن البارئ غير الأشياء قبل وجودها لأن هذا يوجب أنها غيره قبل كونها وذلك يستحيل عنده وزعم هذا القائل أن الغير لا يكون غيراً إلا إذا وجد غيره‏.‏

وكان الجبائي لا يجيز قول القائل لم يزل البارئ ولا يزال دون أن يصل ذلك بقول آخر فيقول‏:‏ لم يزل البارئ عالماً فإذا وصله بقول يكون خبراً له جاز‏.‏

وأما القول في البارئ أنه موجود‏:‏ فزعم الجبائي أن القول في البارئ أنه موجود قد يكون بمعنى معلوم وأن البارئ لم يزل واجداً للأشياء بمعنى أنه لم يزل عالماً وأن المعلومات لم تزل موجودات لله معلومات له بمعنى أنه لم يزل يعلمها وقد يكون موجوداً بمعنى لم يزل معلوماً وبمعنى لم يزل كائناً‏.‏

وزعم هشام بن الحكم أن معنى موجود في البارئ أنه جسم لأنه موجود شيء‏.‏

وأنكر عباد القول في البارئ أنه كائن‏.‏

وقال قائلون‏:‏ معنى أن البارئ موجود معنى أنه شيء‏.‏

وقال قائلون‏:‏ معنى أنه موجود معنى أنه محدود وهذا قول المشبهة‏.‏

وقال قائلون‏:‏ معنى أنه موجود بنفسه معنى أنه قائم بنفسه‏.‏

وقال قائلون‏:‏ معنى أنه موجود العين لم يزل أنه لم يزل ثابت العين وإنما يرجع بهذا القول إلى إثباته‏.‏

وقال عباد‏:‏ معنى القول أن البارئ موجود إثبات اسم لله وكان عباد ينكر أن يقال أن البارئ قائم بنفسه وأنه عين وأنه نفس وأن له وجهاً وأن وجهه هو هو وأن له يدين وعينين وجنباً ولا يقول حسبنا الله ونعم الوكيل إلا أن يقرأ القرآن فإما أن يطلق ذلك إطلاقاً فلا ويتأول ما ذكره الله تعالى ‏"‏ تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ‏"‏ أي تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم وكان لا يقول أن الله كفيل‏.‏

وكان غيره من المعتزلة يقول أن وجه الله سبحانه هو الله ويقول أن نفس الله سبحانه هي الله وأن الله غير لا كالأغيار وأن له يدين وأيدياً بمعنى نعم وقوله تعالى أعين وأن الأشياء بعين الله أي بعلمه ومعنى ذلك أنه يعلمها ويتأولون قولهم أن الأشياء في قبضة الله سبحانه أي في ملكه ويتأولون قول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ لأخذنا منه باليمين ‏"‏ أي بالقدرة‏.‏

وكان سليمان بن جرير يقول أن وجه الله هو الله‏.‏

وقال عباد بن كلاب أن وجه الله لا هو الله ولا هو غيره وهو صفة له وكذلك يداه وعيناه‏.‏

وكان الجبائي يقول أن الله لم يزل عالماً قادراً على الأشياء قبل كونها بنفسه وأن الأشياء خطأ أن يقال أشياء قبل كونها لأن كونها هو هي وكان ينكر أن يقال أشياء قبل أنفسها ولكنها تعلم أشياء قبل كونها وتسمى أشياء قبل كونها وكذلك الجواهر عنده تسمى جواهر قبل كونها والألوان تسمى ألواناً قبل كونها وكان يمنع أن تسمى الهيئات هيئات قبل كونها ويمنع أن تسمى الأجسام أجساماً قبل كونها وأن تسمى الأفعال أفعالاً قبل كونها‏.‏

وكان يزعم أن القول شيء سمة لكل معلوم فلما كانت الأشياء معلومات قبل كونها سميت أشياء قبل كونها وما سمي به الشيء لنفسه فواجب أن يسمى به قبل كونه كالقول جوهر وكذلك سواد وبياض وما أشبه ذلك وما سمي به لوجود علة لا فيه فقد يجوز أن يسمى به مع عدمه وقبل كونه إذا وجدت العلة التي كان لها مسمى بالاسم كالقول مدعو ومخبر عنه إذا وجد ذكره والإخبار عنه وكالقول فان يسمى به الشيء مع عدمه إذا وجد فناؤه قال‏:‏ وما سمي به الشيء لوجود علة فيه فلا يجوز أن يسمى به قبل كونه مع عدمه كالقول متحرك وأسود وما أشبه ذلك وما سمي به الشيء لأنه فعل وحديث نفسه كالقول مفعول ومحدث لا يجوز أن يسمى بهذا الاسم قبل كونه وما سمي به الشيء وسميت به أشياء للتفريق بين أجناسها وغيرها من الأجناس سماها بذلك الاسم قبل كونها وما سمي به الشيء كان إخباراً عن إثباته أو دلالة على ذلك القول كائن ثابت وما أشبه ذلك يجوز أن يسمى به قبل كونه وكان لا يسمى العلم علماً قبل كونه لأنه اعتقاد الشيء على ما هو به بضرورة أو بدليل ولا يسمى الأمر أمراً قبل كونه لأنه إنما يكون أمراً بقصد القاصد إلى ذلك وذلك أنه قد يكون الشيء مخرجه مخرج الأمر وهو تهدد ليس بأمر وكان يقول أن الموجودات التي وجدت هي التي لم تكون قبل كونها موجودة وكان لا يمنع من القول لم يزل البارئ عالماً بالأجسام والمخلوقات لا على أنه يسميها أجساماً قبل كونها ومخلوقات قبل كونها ولكن على معنى أنه لم يزل عالماً بأن ستكون أجساماً مخلوقات‏.‏

وكان لا يثبت للبارئ علماً في الحقيقة به كان عالماً ولا قدرة في الحقيقة بها كان قادراً وكذلك جوابه في سائر ما يوصف به القديم لنفسه وكان يفرق بين صفات النفس وصفات الفعل بما حكيناه عن المعتزلة قبل هذا الوضع‏.‏

وكان يزعم أن معنى الوصف لله بأنه عالم إثباته وأنه بخلاف ما لا يجوز أن يعلم وإكذاب من زعم أنه جاهل ودلالة على أن له معلومات وأن معنى القول أن الله قادر إثباته والدلالة على أنه بخلاق ما لا يجوز أن يقدر وإكذاب من زعم أنه عاجز والدلالة على أن له مقدورات ومعنى القول أنه حي إثباته واحداً وأنه بخلاف ما لا يجوز أن يكون حياً وإكذاب من زعم أنه ميت والقول سميع إثباته وأنه بخلاف ما لا يجوز أن يسمع وإكذاب من زعم أنه أصم والدلالة على أن المسموعات إذا كانت سمعها ومعنى القول بصير إثباته وأنه بخلاف ما لا يجوز أن يبصر وإكذاب من زعم أنه أعمى والدليل على أن المبصرات إذا كانت أبصرها وقد شرحنا قوله في أنه شيء موجود قديم غير الأشياء قبل هذا الموضع‏.‏

وكان يزعم أن العقل إذا دل على أن البارئ عالم فواجب أن نسميه عالماً وإن لم يسم نفسه بذلك إذا دل العقل على المعنى وكذلك في سائر الأسماء وأن أسماء البارئ لا يجوز أن تكون على التقليب له‏.‏

وخالفه البغداذيون فزعموا أنه لا يجوز أن نسمي الله عز وجل باسم قد دل العقل على صحة معناه إلا أن يسمي نفسه بذلك وزعموا أن معنى عالم معنى عارف ولكن نسميه عالماً لأنه سمى نفسه به ولا نسميه عارفاً وكذلك القول فهم وعاقل معناه عالم ولا نسميه به وكذلك معنى وزعم الصالحي أنه جائز أن يسمي الله سبحانه نفسه جاهلاً ميتاً ويسمي نفسه إنساناً وحماراً واللغة على ما هي عليه اليوم ويجوز أن يسمى البارئ على طريق التقليب بهذه الأسماء وأبى الناس جميعاً هذا‏.‏